فن القيادة في القرن الحادي والعشرين: من التخطيط للخلافة إلى بناء القيادات

فن القيادة في القرن الحادي والعشرين: من التخطيط للخلافة إلى بناء مصنع القيادات

فن القيادة في القرن الحادي والعشرين: من التخطيط للخلافة إلى بناء مصنع القيادات

في بيئة عمل مجزأة وسريعة التغيّر، يحتاج القادة إلى سمات وأساليب تطوير تختلف عن الأمس: طاقة إيجابية وتوازن شخصي، قيادة خدمية، تعلم متواصل، صمود، خفة ظل، ووصاية على المستقبل. كما تحتاج المؤسسات إلى تحويل تطوير القيادات إلى «قدرة أساسية» عبر نموذج مصنع القيادات الذي يجهّز الصف التالي عمليًا.

مدخل: لماذا أصبحت القيادة أصعب من أي وقت مضى؟

منذ جائحة كوفيد-19 وتزايد التوترات الجيوسياسية، ومع بروز تقنيات مُربِكة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي والتحول الطاقي، واجهت فرق القيادة موجات متلاحقة من عدم اليقين، بينما يطالب الموظفون عالميًا بمزيد من الاستقلالية والتمكين والمرونة والتنقل. تشير خبرات السوق إلى أن عدد القضايا «الحاسمة» على طاولة الإدارة العليا قد تضاعف تقريبًا مقارنة بعقد مضى، ما يضغط على الوقت والقدرة على الاستجابة.

سمات القائد في القرن الحادي والعشرين

1) الطاقة الإيجابية والتوازن الشخصي والإلهام

بدون توازن العقل والجسد والروح، يفقد القائد وقوده للتعلم والقيادة. وتظهر أبحاث حديثة أن القوى العاملة بعد الجائحة تبحث عن مزيد من الترابط والصدق والإلهام من قادتها، ما يجعل «الطاقة» رصيدًا قياديًا حاسمًا (McKinsey Quarterly، 2024).

2) القيادة الخدمية غير الأنانية

أفضل القادة يضعون نجاح الفريق والرسالة المؤسسية قبل الذات. وتبين إحدى دراسات ماكينزي أن 70% من الموظفين يربطون عملهم بالمعنى والغاية الشخصية، ما يعزز أثر القائد الخدمي على الارتباط بالعمل (McKinsey، 2021).

3) التعلم المستمر والتواضع

القادة المتعلمون لا يتصرفون كـ«أعرف كل شيء». ثقافة تعلّم كل شيء التي روّج لها ساتيا ناديلا أسهمت في التحول الثقافي لمايكروسوفت (Bloomberg، 2016).

4) الصمود والمرونة

التحليل الهادئ، واتخاذ القرارات الصعبة، والالتزام بها، ترتبط بصحة تنظيمية أعلى. تُظهر نتائج «مؤشر الصحة التنظيمية» أن المؤسسات ذات الحسم القيادي أكثر قابلية للصحة والأداء على المدى الطويل (McKinsey، 2024).

5) خفة الظل

إدخال لحظات من الفكاهة يخفف الضغط ويطلق الإبداع. وقد وجدت بحوث أن القادة ذوي الحس الفكاهي—even لو كان متوسطًا—أكثر إلهامًا وتحفيزًا بنسبة 27%، ويرفعون مشاركة فرقهم وإبداعهم (McKinsey Author Talks، 2021).

6) الوصاية

القائد الوصيّ يتعامل مع القيادة كأمانة مؤقتة: الأسواق تتبدّل ومتطلبات العملاء تتغير؛ لذا يركز على بناء قدرات قيادية مؤسسية مستدامة.

الممارسة العملية للقيادة المعاصرة: تحوّلات مبكرة

  • حوار صارم مع أصحاب المصلحة: تفعيل نقاشات عميقة (Premortem، فرق حمراء/زرقاء، «ماذا لو»)، يتبعها تواصل واضح ومختصر يحدد النتائج المتوقعة.
  • التحاق (Enroll) الفريق — وإعادة التحاقه دوريًا: أبعد من «الشراء»، هو التزام ذاتي بالسلوك والمعايير والتصحيح الذاتي.
  • نموذج تشغيل مُسرّع: حقوق قرار واضحة، طبقات أقل، مشاركة معلومات رقمية، وتقييس ذكي للعمليات عبر كتيبات لعب وتدريب ولوحات قيادة رقمية.
  • ثقافة الثقة: معادلة الثقة (المصداقية × الموثوقية × الأُلفة ÷ التمركز حول الذات) كما صاغها ديفيد مايستر وشارلز جرين وروبرت جالفورد في المستشار الموثوق (The Trusted Advisor)، ويؤكد جورج شولتز أن «الثقة عملة الحكم» (Hoover، PDF).

الهيكل: ما هو «مصنع القيادات» وكيف تبنيه؟

بعض مهارات القيادة تُدرَّس في القاعة، لكن أفضلها يُكتسب «على رأس العمل»: انتقاء، وتكليف، وتوجيه، وتغذية راجعة، وتدرّب عملي. صاغ رون دانيال لدى ماكينزي في الثمانينيات مصطلح مصنع القيادات لهذا النموذج. وقد تبنّت مؤسسات كبرى (مثل GE وIBM وP&G) حواضن قيادية مشابهة، فيما صنّف تصنيف TIME/Statista شركات رائدة بين «أفضل الشركات لإعداد قادة المستقبل».

مكوّنات مخطط المصنع اليوم

  • تحديد السمات القيادية المطلوبة بوضوح: القيادة ليست «إجماعًا» بل «اصطفافًا»، وقد تتطلب قرارات فردية صعبة مع حفاظ القائد على الانخراط.
  • ابدأ الآن: ضَع أصحاب الإمكانات العالية في مواقف صعبة مبكرًا مع إرشاد وتدريب مستمرين.
  • بناء القدرات على نطاق واسع: تجارب غامرة يقودها التنفيذيون الكبار (لا تُفوَّض بالكامل للموارد البشرية). الاستفادة من شبكات تعلم عالمية—كما في تجربة Teach For All مع ويندي كوب—حيث وُحِّدت مبادئ قيادية مشتركة ثم تُرِك التنفيذ محليًا عبر تبادل المعارف.
  • قد الذات قبل قيادة الآخرين: يبدأ التغيير من الداخل. تجربة الأميرال Eric Olson في قيادة قوات العمليات الخاصة الأمريكية تُظهر أثر جولات الاستماع وتعديل السياسات وتوفير الدعم النفسي والبدني على تماسك الفرق وجاهزيتها.
  • رحلات تعلم شخصية مدفوعة ذاتيًا: وحدات قيادية تغطي قيادة الذات والفرق والمنظمة، مع تغذية راجعة صريحة مستمرة لرفع الوعي الذاتي وتسريع التصحيح الذاتي.

تجهيز قادة المستقبل: دور الرئيس التنفيذي والمؤسسة

على الرؤساء التنفيذيين أن يؤدّوا دور «رؤساء المواهب»: التعرف المباشر إلى القادة الواعدين عبر المستويات، وحماية «المشاكسين الإيجابيين» الذين قد يقودون الابتكار، وأن يكونوا قدوة في مصنع القيادات. كما ينبغي مواءمة أنظمة الأداء والقيمة المقترحة والحوافز وآليات التغذية الراجعة مع السمات القيادية الحديثة—مصممة للمساءلة والتمكين والسرعة.

الخلاصة: قواعد جديدة لقيادة زمن اللايقين

المؤكد الوحيد لقائد اليوم أن اللايقين باقٍ. وستكون الأعوام المقبلة بذات القدر من التحدي. لذا، بدلاً من الاتكاء على طقوس وممارسات منتهية الصلاحية، آن الأوان للتعاون مع الفرق وأصحاب المصلحة لصياغة قواعد جديدة للقيادة: مرنة، مبتكرة، سريعة، وإنسانية.

المراجع

  1. McKinsey Quarterly. Healthy organizations keep winning, but the rules are changing fast (Aug 2, 2024).
  2. McKinsey. Help your employees find purpose—or watch them leave (Apr 5, 2021).
  3. Bloomberg. Satya Nadella talks Microsoft at middle age (Aug 4, 2016).
  4. McKinsey. Organizational health is (still) the key to long-term performance (Feb 12, 2024).
  5. McKinsey Author Talks. Somebody tell a joke (May 17, 2021).
  6. Maister, Green, Galford. The Trusted Advisor (Free Press, 2000).
  7. George P. Shultz. Trust is the coin of the realmPDF (Dec 13, 2020).
  8. TIME & Statista. The Best Companies for Future Leaders (Dec 2023).
  9. (للتوسّع) McKinsey. The art of 21st-century leadership (Oct 22, 2024).

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *